شيزوفرينيا
- psychotopia
- Oct 4, 2018
- 4 min read
بقلم : إيمان عصام - سعاد عصام
دعونى أخبركم أننى أكتب تلك المقالة في الثالثة فجراَ مع الهدوء التام وكوب النسكافيه الساخن بجانبى وتلك الإضاءة الخافتة النابعة من جهاز الحاسوب المحمول أمامى في تلك الساعة وفي تلك الثانية تحديدا أراها ...
أرى صديقتى التى ماتت منذ سنوات تتجول حولى وأرى أشباح تجوب المكان وأسمع أصوات خفية تنبع من مصدر مجهول وأحياناَ أحس بكوب النسكافيه وقد تحرك قليلاَ أو أشعر أن أحد قد لمس خصيلات شعرى و رغم ذلك فأنا جالسة مكانى في ثبات أحرك في حركة أعتيادية نظارتى الطبية وأن أكتب وأعدل هذا المقال ...ولا داعى للدهشة هنا فأنا أعرف أن هذا كله طبيعى بعد 48 ساعة من العمل والأرهاق المتواصل بلا دقيقة نوم واحدة بل إن معظمنا قد مر بتلك التجربة من رؤية أشياء غريبة وسماع أصوات غير موجودة لمجرد أنه تعرض لإرهاق زائد عن الحد الطبيعى بالنسبة له أو حتى تعرض لضغوط نفسية لفترة وفى تلك الحالة سنتفق جميعاَ على تفسير واحد وهو أنه مجرد إرهاق نرى تلك الهلاوس لأن عقولنا لا تعمل بشكل طبيعى عقولنا تحتاج لبعض من الراحة ومرة أخرى سنتفق جميعا على نفس التصرف فنفعل مثلما سأفعل أنا بعد قليل ألقى بنفسي على السرير لبضع ساعات وذلك المضغوط نفسياَ ننصحه أن يذهب لمكان بعيد للأستجمام بعيد عن كل المشاكل والضغوضات النفسية ويوم أو يومين ثم أعود أنا وأنت وهو إلى مسار حياتنا الطبيعبة بلا أى هلاوس أو أى شعور مريب ...
العجيب في الأمر حقا أن بعضنا لايعود والأغرب من ذلك هو تصرفنا نحن معه عندما لا يعود.
ورغم أن الهلاوس من حولى تزداد وكوب النسكافيه قد أوشك على الأنتهاء إلا أننى يجب أن أتحدث معك عن هذا الأمر بأستفاضة يا عزيزى فذلك الشخص الذى لم يعد طبيعياَ كان طبيعياَ جداَ مثلى ومثلك ولسبب وراثى لم يكن له أى دخل به صنفناه كمجنون لا يصح التعامل معه أو تعينه بأى وظيفة لا يستحق الحب بل لا يستحق الحياة وهؤلاء المدعون مثقفون أصبحوا يطلقون مصطلحات أكثر تعقيدا كنوع من الكبرياء ليس إلا فأصبح يطلق عليه اسم (مريض شيزوفرينا أو اسكيزوفرينيا أو مصاب بالفصام) رغم أنه مصطلح خاطئ بمعناه ومضمونه فهو يعنى إنفصال للشخصيات أى أن هذا الشخص يمتلك أكثر من شخصية بداخله وهذا خطأ كلى كل ما في الأمر أن عقولنا ما هى إلا بعض من المواد الكيميائية التى تعمل معا بشكل منسجم تماماَ إذا تواجدت بنسب معينة أما إذا أختل مقدار تلك النسب لأى مادة فزاد أو قل لا يعمل العقل بشكل طبيعى وفي حالتنا تلك فهناك مادة من تلك المواد تسمى الدوبامين يختل توازنها فتزداد ببعض المناطق وتقل في الأخرى فإذا زادت زاد نشاط العقل بشكل مريب فأصبح يرى أشياء و يسمع أصوات غير موجودة بالواقع وصار هذا الشخص يضحك وينصت ويتكلم ويتفاعل مع أشياء لا نراها نحن من الأساس ثم يمر بعض الوقت ويقل الدوبامين ويختل التوازن مرة أخرى فيهدأ العقل بشكل مبالغ فيه ويهدأ هذا الشخص لدرجة الأنطوائية فلا يضحك ولايرد ولا يتفاعل حتى مع الأشياء الموجدة بالواقع ....دعنى أخمن هذا السؤال الذى يدور ببالك الاًن يا صديقى نعم أعلم أنك فضولى وتريد أن تسئل ....لماذا؟
لماذا هذا الشخص بالذات حدث معه هذا الخلل الغريب ؟.. ومالذي ينتج عنه ؟
الأمر في بدايته كما ذكرت وراثى فإن كان الأبوين مصابين بهذا الخلل فالطفل مهدد بالإصابة بنسبة خمسين بالمئة لكنه يظهر بنهاية العقد الثانى أى في اَواخر العشرينات وتزداد النسبة في الرجال عن النساء لكن صدقنى الأمر لا يتعلق بالوراثة فقط فعالمنا قاسي يا صديقى هؤلاء الأشخاص نجدهم قد تعرضوا لضغوطات كثيرة بالحياة نجد منهم من مات ابنه ومن فقد حبيبه ومن مات رفيقه أمامه بالحروب نجد من تشرد وهاجر مجبراَ وترك أهله خلفه ونجد من على خلاف مع عائلته منذ الطفولة بل ونجد من كان أمه تكرهه وهو غير مرغوب به منذ نعومة أظافره بل قبل ظهور أظافره من الأساس وهو في رحم أمه كل هذه الأشياء ضغوطات تؤثر على الشخص مع عامل وراثى موجود تؤدى لحدوث هذا الخلل الكميائى بالدماغ ويؤدى لظهور الأعراض مثل الهلاوس (hallucination) والضلالات (delusions) فنجد الشخص مقتنع بأشياء غير واقعية مثل وجود كائن فضائى يراقبه مثلا نجده حتى غير قادر على الحديث فأصبحت كلامته غير مرتبة أو مفهومة بالمرة بل ويصل الأمر أحيانا أنه يسمع أصوات نابعة من داخله أصوات تنهيه عن فعل أشياء وتأمره بأشياء أخرى أصوات تتحكم به كلياَ أصوات تأمره أحياناَ بالأنتحار وما هم عليهم إلا السمع والطاعة
صدقنى أنا لا أتحدث هنا عن فرد أو فردين بل إننى أتحدث عن شخص من كل 100 شخص موجود بهذا العالم اتحدث عن حوالى مليون شخص بمصر وأكثر بكثير على مستوى العالم وهل تعلم ماذا فعلنا نحن معهم ....جعلناهم أضحوكة وصنعنا أفلام لا تمت لحالتهم او لواقعهم بصلة رسخنا في نفوس البشرية فكرة أن المريض النفسي هو وصمة عار للعائلة كلها فأصبحنا لا نؤمن بالطب النفسى من الأساس وأصبحنا نطلق مصطلحات من قبل ممسوس وملبوس ومنحوس و إذا ذهبنا للطبيب النفسي نذهب في الخفاء وكأننا نسلب حقا ليس لنا أليس من حق أى فرد أن يعيش صحيح معافى طالما أمكننا ذلك.
بكل أسى و أسف أخبرك أن هؤلاء الأشخاص تنخفض نسب توقعات أعمارهم حوالى عشر أو خمسه عشر عاما عن المعدلات الطبيعية نتيجة زيادة معدلات الأنتحار والمشاكل الجسدية والنفسية فنحن كما يقولون (زودنا الطين بلة ) فأصبحنا نخاف منهم ولا نوظفهم فصاروا مشردين في الشوارع بلا مأوى وأصبح هذا المريض معرض بنسبة خمسين بالمئة أن يدمن المخدرات فأصبحوا هؤلاء هم الأشخاص الذين نراهم في الشوارع يكلمون أنفسهم بثياب يرثى لها وعقل مغيب .....
لذا يا صديقى عندما ترى احدهم اصابه شئ من الكآبة والحزن والوحدة اصابه هم فلم يعد يفرح لشئ ابدا وطالت مدته فغاب عن الفرح خمسة اشهر وبدأ في السادس يرى تلك الهلاوس يسمع تلك الضلالات ولم يعد حتى قادرا على ترتيب كلامته بل وترتيب ملابسه فتحول لشخس اخر ..شخص لا تعرفه اصبح حاله يرثى له فهو ليس مجنون يا صديقى هوفقط يحتاج اليك يحتاج لمساعدتك وقربك واهتمامك يحتاج ان تأخذه الى عيادة الطبيب لا أن تتركه يلقى بنفسه بجانب مقلب النفايات ...
ولكى أكون صريحة معك فلن أعطيك أمل وهمى بأن الطبيب سيشير بسماعته العجيبة فينتهى الأمر،أو أننى سأكتب لك اسم بعض الأقراص السحرية فيصبح الشخص سليم معافى .ولكن بالفعل موجود بعض الادوية التى تعيد تركيز الدوبامين إلى المعتاد وببعض من الحب والأحتواء صدقنى سيهدأ الأمر، ويتلاشى شيئا فشيئا، فالعالم قاسى علينا جميعًا يا صديقى فلا تكن واحد من هؤلاء الطغاة وكن قلب دافئ لإحتواء الجميع فأحدهم يحتاج فقط كلمة منك كى يكون بخير .
الآن يجب حقا أن أترككم فكوب النسكافيه قد أنتهى وتلك الصديقة الميتة أخذت تكلمنى بموضوع هام ويجب حقاَ أن أخلد إلى النوم .
مقال جميل جدا 💚
استمروا ✌