رحلة في تاريخ الطب النفسي
- psychotopia
- Jan 9, 2019
- 2 min read
بقلم : روان دويدار
ترجمة : إيمان حبور
عندما تسمع كلمة "طبيب نفسي" فإن أول شيء يقفز إلى ذهنك هو على الأرجح الشيزلونج وطبيب ذو لحية وعوينات مرتديًا بدلة وربطة عنق، ولكن متى انبثق هذا النمط؟ وكيف تطور الطب النفسي على مر الزمان؟ لنجيب عن تلك الأسئلة دعنا نسافر إلى الماضي في رحلة وجيزة لنرى كيف بدأ الأمر برمته.
صحيح أن الطب النفسي المنظم لم يبرز حتى القرن التاسع عشر، ولكنك سوف تندهش بمعرفة أن هناك كتبًا عن الطب النفسي في الصين والهند القديمة قد يرجع تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
خلال تلك الأزمنة كانت الاضطرابات العقلية تعتبر ذات أصل خارق للطبيعة، فقد برر البعض الأمر زاعمًا أن الاضطرابات العقلية كانت دلالة على غضب الآلهة بينما ربطها البعض الآخر بالاستحواذ الشيطاني وهو ما أدي إلى استخدام الزعماء المتدينين طرقًا وحشية كوسائل لطرد الأرواح الشريرة، ولم ينتهِ ذلك حتى القرن الرابع أو الخامس قبل الميلاد عندما بدأ أطباء يونانيون مثل أبقرط وديمقراط يقدمون تفسيرات أكثر منطقية للاضطرابات العقلية.
حيث فسر أبقراط الأمر بأن الاضطرابات الفسيولوجية قد تكون مصدر الأمراض العقلية بينما حاول ديمقراط أن يعرف أكثر عن أسباب الكآبة والخبل من خلال تشريح الحيوانات وإجراء تجارب عتيقة بسيطة.
ولكن ظلت نظرة عامة الناس للأمراض العقلية هي نفسها؛ مبهمة وحافلة بالأساطير لعقود عديدة حتى العصور الوسطى والتي كانت تعرف أيضًا بالعصور المظلمة نتيجة لتدهور كافة جوانب الحياة في أوروبا في تلك الفترة والتي من ضمنها مجالات العلم المختلفة لا سيما الطب النفسي، وخلال تلك الفترة كان الناس في أوروبا مهووسين بمطاردة الساحرات والشياطين والسحر الأسود ونتيجة لذلك خضع المرضى النفسيون لممارسات مروعة.
وفي نفس المدى الزمني في الجانب المقابل من العالم -الشرق الأوسط- كان العصر الذهبي الإسلامي، وكان المثقفون كابن سينا وابن الهيثم من أوائل الدارسين الذين قاموا بدراسة العقل البشري واعترفوا بالطب النفسي كعلم، وقد تحاجوا لإثبات أن الاضطرابات العقلية أمراض وليست استحواذًا شيطانيًا أو روحيًا، كما تم بناء مستشفيات خاصة أو "بيمارستان" تحتوي على جناحات خاصة للمرضى النفسيين الذين يُظهرون سلوكيات عنيفة أو خطِرة في أنحاء البلدان العربية.
وبالسفر عبر الزمن بضعة عقود للأمام، تحديدًا في القرن الثالث عشر في لندن تم تأسيس مصحة بيت لحم العقلية Bethlem Mental Asylum وهي المصحة الأقدم من نوعها، وإذا كنت قد سمعت عن المصحات العقلية بشكل عام وبيت لحم بشكل خاص فإنك على الأرجح سوف تربطهم بالإيذاء والإشانة، ولكن على الرغم من أن الممارسات في تلك الفترة كانت بعيدة كل البعد عن التنظيم أو العِلم إلا أنها لم تكن مروعة أو مؤذية بالصورة الموجودة في أذهان عامة الناس.
فقد كان يتم الاعتناء بهم بواسطة ممرضات وبضعة أطباء ولم يكن هناك علاجات معينة للمرضى الذين يعانون من أمراض عقلية، بل كان يسود خليط مكون من حمامات باردة مع وجبات محددة وتقيؤ مُستَحَثّ، كما كان يتم سحب الدم منهم بانتظام نتيجة للاعتقاد بوجود صلة بين الأمراض العقلية والالتهابات أو اختلال التوازن داخل الجسم.
وعلى مدار القرون الأربعة التالية تم إنشاء مصحات عقلية يتم إدارتها بشكل خاص أكثر وقد تنوعت الممارسات العلاجية من مصحة لأخرى.
إنك على الأرجح تتساءل الآن كيف أدت كل تلك الفوضى إلى الشكل المنظم الحديث المعروف للطب النفسي وماذا حدث في القرنين التاليين حتى لحظتنا الحالية؟ ولكن هذه قصة طويلة للغاية يفضل مناقشتها في مقال منفصل.
Comments