رحلة فى تاريخ الطب النفسي II
- psychotopia
- Jan 16, 2019
- 2 min read
بقلم : روان دويدار
ترجمة : إيمان حبور
لم يتم الاعتراف بالطب النفسي المنظم كتخصص طبي بشكله المنظم حتى عام ١٨٤٤ في فيلاديلفيا عندما اجتمع ممثلون عن ١٣ مصحة نفسية ليشكلوا الاتحاد الذي يعرف حاليًا بالجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، وقاموا بمناقشة أنواع وأسباب الاضطرابات العقلية وبدأوا في تعديل الوسائل العلاجية التي يتم تطبيقها في المصحات.
وقد ركز الطب النفسي في مراحله الأولى بشكل أكبر على المرضى المحجوزين مع منح اهتمام قليل أو معدوم للمرضى الخارجيين الذين يمكنهم التعايش مع المجتمع ولكن بدرجة طفيفة.
إلا أن ذلك قد بدأ يتغير في مطلع القرن العشرين عندما بدأ طبيب الأعصاب سيجموند فرويد يدرس الاضطرابات الأقل حدة والتي أطلق عليها مصطلح العصاب النفسي Psycho-Neurosis ، وتبعًا لذلك قام بتطوير نظرية عن كيفية عمل العقل وتوصل إلى وسيلة علاجية لتحرير الأفكار والتجارب المكبوتة والتي تعرف بنظرية التحليل النفسي، ومن ثَمَّ أصبح التحليل النفسي هو الوسيلة العلاجية الأولى للمرضى الخارجيين في الطب النفسي الحديث.
وخلال السنوات التالية بدأ التحليل النفسي يمثل الوسيلة العلاجية السائدة على الرغم من عدم وجود طريقة دقيقة لاختبار نتائجه أو تقديم دليل قاطع على فعاليته.
أما نقطة التحول في تاريخ الطب النفسي الحديث فكانت على الأرجح في خمسينات وستينات القرن الماضي، حيث مثلت الأجيال الأولى من الأدوية المضادة للذهان Antipsychotics والأدوية المضادة للاكتئاب Antidepressants طفرة ضخمة قد غيرت حياة الآلاف من المرضى المحجوزين المصابين بالذهان الشديد، ومن خلال استخدام تلك الأدوية المكتشفة حديثًا تم تفريغ المستشفيات النفسية وعاد المرضى للمجتمع مرة أخرى كأفراد أصحاء.
وكانت دعامة العلاج النفسي في ذلك الوقت ترتكز على خليط من الأدوية والعلاج النفسي الديناميكي وهو عبارة عن وسيلة معدلة مشتقة من نظرية التحليل النفسي لفرويد.
وفي ثمانينات القرن الماضي -ومع ظهور التصوير العصبي والدراسات الچينية- تم التركيز أكثر على الطب المبني على الأدلة، وقامت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين بتعديل آرائها عن الأمراض النفسية، حيث تم تقسيم الاضطرابات وفقًا لمجموعة من المعايير المحددة، وتم اعتبار العلاجات المبنية على التحليل النفسي والعلاج النفسي الديناميكي وسائل غير علمية وغير ضرورية مسلطين بذلك الضوء على العلاج الدوائي وعلم الأعصاب.
وقد أتى تحول البحث العام إلى الفارماكولوچيا العصبية بثماره، حيث ظهر الجيل الثاني من الأدوية المضادة للذهان والأدوية المضادة للاكتئاب الأحدث والأكثر فاعلية وتم استخدامها ووصفها على نطاق واسع.
وكان يُنظَر إلى الأطباء النفسيين كتقنيين يقومون بمعالجة الأعراض النفسية بواسطة كوكتيل من الوصفات، وعلاوة على ذلك كان هناك الكثير من الشكاوى من المرضى بخصوص الأعراض الجانبية غير المرغوبة للأدوية النفسية وازدياد توقف المرضى عن تناول الدواء.
وهو ما حتّم ظهور الوسائل العلاجية المتواجدة حاليًا بجانب الفارماكولوچيا العصبية، وهنا أتى دور العلاج السلوكي المعرفي وهو عبارة عن شكل من أشكال العلاج النفسي مبني على فكرة أن طريقة تفكير وشعور الشخص تؤثر على سلوكه، وقد أدى اللجوء إلى العلاج السلوكي المعرفي واستخدامه بجانب العلاج الدوائي إلى فهم أفضل للشخص المصاب بالأعراض وهو ما خلق حلقة وصل بين علم النفس والاستجابة للدواء.
باختصار، الطب النفسي مجال يعيد اختراع نفسه باستمرار، ومن الصعب التنبؤ بدقة بالشكل الذي سيأخذه الطب النفسي مستقبلًا نتيجة لفهمنا الضئيل لتعقيد المخ المبهم، إلا أن السنوات القليلة المنصرمة قد أثبتت أن رص مشاعر الناس في قائمة تدقيق ليس هو الطريقة الصائبة، وبناءً على ذلك إذا أردنا أن نخلق مستقبلًا أفضل للطب النفسي وأن نصحح أخطاء الحاضر يجب ألا نتوقف مطلقًا عن التفكير في تلك الأخطاء والتعلم منها.
Comments