top of page

اضطرابات الهُوية الجنسية

  • Writer: psychotopia
    psychotopia
  • Nov 24, 2018
  • 6 min read

بقلم : تقى محمد نوار


"In the social jungle of human existence, there is no feeling of being alive without a sense of identity. "

-Erik Erikson-


لعل أصل رغبة الانسان في التفرد هو شعوره بالاختلاف و سعيه الدائم للتعرُف على هُويته و إثبات خصوصيتها .

و الهوية هي تعريف الانسان لذاته و تكوينه، و هو المستطيع الأول القادر على تشكيلها، رغم كل الأحداث و الظروف.

و في إطار سعي الانسان للتعرف على ذاته، يكتشف دواخلها... فماذا يفعل حين يكتشف أن داخله لا يتماشى مع خارجه؟!


التعريف:

حين يشعر الشخص أن تكوينه الجسدي لا يعكس هويته الحقيقية، كيف يمكنه مواجهة ذلك؟

ذا ما يشعر به الشخص مُضطرب الهُوية الجنسية، يشعر بعدم الارتياح داخل جسده، و أن جسده -أعضاءه التناسلية بالخصوص- لا يقوم بتعريفه بالصورة التي ينشدها،إضافةً لشعوره الدائم برغبة مُلحة في التحول إلى النوع المُغاير.

ولا يُعد ذلك حاليًا طبقًا لجميع المراجع الطبية اضطرابا نفسيًا أو عصبيًا؛ لكن ما يحدثه ذاك الضيق و عدم الارتياح و الحبس داخل جسد لا يمثل الشخص بشكل صحيح، من أعراض قلق مزمن و توتر و ربما اكتئاب هو ما يتم تصنيفه تحت مسمى المرض النفسي.


الأسباب:

ما زال السبب وراء هذه الحالة غير واضح، لكن يرجح معظم العلماء أنها بسبب اختلال في عمل الهرمونات المسئولة عن تكوين الأعضاء التناسلية، حيث لا يوجد تنسيق بين تأثير هذه الهرمونات على الأعضاء ذاتها و بين تأثيرها على الغدد و المناطق الدماغية المُتحكمة فيها .

أو بسبب توقف عمل هذه الهرمونات تمامًا أو افتقاد الجسم للاستجابة أو للحساسية تجاهها و هذا السبب الاخير سبب نادر يدعى بمتلازمة انعدام التحسس للأندروجين Androgen insensitivity syndrome و هو عبارة عن متلازمة مختلفة عن اضطرابات الهوية الجنسية المذكورة آنفًا، إلا أنه قد يؤدي إليها في بعض الأحيان القليلة.


التاريخ:

في أسطورة اغريقية قديمة شهيرة، تنشأ فتاة متنكرةً في زي فتى و بأفعاله و بكل طراز الحياة الذكورية، ثم تقع في حب فتاة أخرى، فيقوم إله الحب عند اليونانيين القدماء بتحويلها إلى رجل حقيقي قبل مراسم الزفاف ليتمكنوا من إكماله.

لذا لم تكن فكرة الانفصال بالهوية الجنسية عن النوع التشريحي للشخص مُبتدعة أو غريبة و لكنها مع ذلك كانت تُلاقى في الماضي إما بالرفض أو عدم التصديق بالإضافة إلى الخلط مع مفاهيم و حالات أخرى كحالات المثلية الجنسية أو الحالات الخُنثى و يتم اعتبار كل هذه الحالات كعرض واحد للانحراف الجنسي المرفوض أخلاقيًا.

و استمرت كل ردود الفعل تجاه جميع الحالات على تلك الوتيرة إلى بداية الخمسينيات من القرن الماضي.

ثم تمت في سرية أول عملية "تصحيح جنسي" كاملة و رغم أنها لم تكن الأولى من نوعها، لكنها كانت المرة الأولى لنجاح مثل هذه العمليات، -و كان يُطلق عليها Transsexualism- بواسطة الطبيب الامريكي Harry Benjamin و قد جذبت الاهتمام الطبي العالمي لفترة طويلة سواءً بالانبهار أو الاستنكار، لكن بعد أن قام العديد من العلماء بدراسة الجوانب النفسية و الفسيولوجية لهذه الحالة و حالات مشابهة، تم تغيير المصطلح إلى Transgender لتأكد عدم ارتباطه بالميول الجنسية و إنما بالحالة و الهوية الفردية للشخص.

و في عام 1980 تم إدخال تسمية للحالة كاضطراب الهوية الجنسية GIDفي الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية و النفسية DSM الصادر عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، و مؤخرا تم تعديل التسمية إلى Gender Dysphoria


الأعراض :

- في الأطفال:

1. الإشارة الدائمة لكونه فتاة رغم امتلاكه جسد بمواصفات ذكر أو العكس بالعكس.

2. تعريف نفسه لأصدقائه بكونه فتاة رغم امتلاكه جسد ذكر و العكس بالعكس.

3. تفضيل الأصدقاء من النوع المغاير دائما.

4. رفض ارتداء الملابس المخصصة للذكور رغم امتلاكه جسد ذكر و العكس بالعكس.

5. رفض الحصول على الألعاب الخاصة بالنوع الواحد كالسيارات و المسدسات للأولاد و العرائس و الدمى للبنات.

6. رفض الامتثال لطريقة قضاء الحاجة -التبول- بالطريقة الخاصة بنوعه، إذا كان يمتلك جسد ذكر يرفض التبول واقفًا و العكس بالعكس.

7. الإشارة الدائمة لرغبته في التخلص من أعضائه التناسلية أو استبدالها بأعضاء تعبر عن النوع المغاير، حيث أن الأطفال يكونوا صريحين و على طبيعتهم معظم الوقت.

8. تعبيرهم الدائم عن إيمانهم بأنهم سيكبرون ليجدوا نفسهم أصبحوا من النوع المغاير و كأن أعضاء التناسلية سيتم استبدالها أو تغيرها المفاجئ عند الكبر.

9. رفضهم و استنكارهم الشديدين للتغيرات التي تطرأ في مرحلة البلوغ و قد يبلغ الاستنكار بالطفل إلى الحزن و التوتر و الانطواء على نفسه، لأنه لايستطيع تقبل جسده.

- في المُراهقين و البالغين:

1. تأكدهم و تعبيرهم الدائم عن أن نوعهم الحقيقي لا يمثله أعضائهم التناسلية .

2. الشعور بالخزي أو القرف تجاه أعضائهم التناسلية و الرغبة في إخفائها دائمًا، قد يصل الفرد إلى مرحلة الامتناع عن الاستحمام أو تغيير ملابسه حتى لا يرى أعضائه أو يطلع عليها غيره.

3. الرغبة الشديدة و القوية أو ربما محاولة التخلص من أعضائه التناسلية .

4. ارتداء ملابس و اكسسوارات تعبر عن النوع المغاير، سواءً بوعيه أنه يفعل ذلك أو بغيره.

عند استمرار هذه الأعراض لفترة أطول من ستة أشهر متصلة فإنها في الأغلب ليست كما يعتقد البعض مجرد مرحلة تذبذب أو توتر جنسي و إنما هي حالة عدم ارتياح للنوع Gender dysphoria و لابد من استشارة متخصص ليقوم بتأكيدها.

الأشخاص المصابون بهذه الحالة غالبًا ما يعانون في صمت فيصابون بالانطواء الشديد أو العزل أو التنمر و المضايقات المستمرة في مجالات الدراسة أو العمل و أيضًا ضعف الثقة بالنفس والاكتئاب و اضطرابات القلق، و قد يصل بهم الأمر إلى محاولات الانتحار، أو أن يقوم الذكور منهم بعمليات الإخصاء الذاتية مما قد يعرضهم لمخاطر الإصابة بأمراض خطيرة كالHIV أو فيروس C.


ضع الأمور في نصابها الصحيح:

هذه الحالة تختلف تمام الاختلاف عن حالات المثلية الجنسية، أو الحالات المولودة ذات النوع المزدوج "الخنثى"، و من أوائل الحالات التي عانت من هذا الخلط هي حالة الرسام Einar wegner الذي قام بإجراء أول عملية تصحيح جنس معروفة عالميا في 1933لكنه للأسف توفى بسبب مضاعفات العملية و قد قام بعد العملية بتغيير اسمه إلىى Lili Elbe و في فيلم The Danish Girl المأخوذ عن مذكراتها يقص المخرج Tom Hooper المصاعب التي وجدها الرسام قبل إجراء العملية و مدى رفضه لأن يتم فهمه أو معاملته كمثلي، و اتضح ذلك جليًا في المشاهد التي انخرط فيها الرسام في الإعجاب بأحد الرجال الذي اتضح أنه مثلي و يظن الرسام كذلك، و المشاهد التي تعرض فيها للمضايقات في الشارع بسبب مظهره و أسلوبه، و استطاع الممثل Eddie Redymaneالتعبير عن تلك المعاناة باحتراف.



الانتشار:

اضطرابات الهُوية الجنسية ليست كالحمى الموسمية، هي بالطبع من الحالات الغير شائعة،و في آخر إحصاء تم إجرائه في عام 2012 وجد أنه حوالي 1% من إجمالي السكان لديهم شكوك حول هويتهم الجنسية الحقيقية.


انظر حولك:

الجميع يعشق مشاهد "مس انشراح" في فيلم الناظر و "الست كوريا أم قلب كبير" في فيلم عسكر في المعسكر، و التي قامت بتأديتها الفنانة حنان الطويل، و التي هي من أوائل الذين خضعوا لعملية تصحيح جنسي في الوطن العربي، حيث ولدت الفنانة في جسد تشريحي ذكوري و سماها أهلها "طارق"و لكنها أحست طوال الوقت بكونها أنثى مختبأة خلف هذا الجسد، فقامت بأجراء العملية رغم اعتراض الأهل و المعارف.

لكنها بعد إجراء العملية أحست بأنها وجدت ذاتها الحقيقية، فبدأ مشوارها الفني من خلال فرقة الفنون الاستعراضية، ثم نقابة المهن الموسيقية،ثم قام المخرج شريف عرفة باكتشاف موهبتها من خلال مشهد واحد فقط لعبته أمام أحمد حلمي في فيلم "عبود ع الحدود" و قام بعد ذلك شريف عرفة بتوظيف هذه الموهبة الرائعة في فيلم الناظر كما رأيناها

ثم كان آخر ظهور فني لها في فيلم "عايز حقي" عام 2003

ثم توفيت الفنانة عن عمر 38 عامًا في 1ديسمبر 2004.


العلاج:

إن الغرض الحقيقي من العلاج في مثل هذه الحالة هو التخلص من أعراض القلق و الاكتئاب و الانطواء، و المشاعر السلبية كعدم تقبل الذات و النقم على الحياة و غيرها، و لكن العلاجات المُعتادة لهذه الأعراض كالمهدئات و مضادات الاكتئاب أو جلسات الدعم أو جلسات المناقشة مع الطبيب الخاص، كلها لا تكفي.

لكن يعتمد الأطباء مع مرضاهم اتخاذ خطوات أبعد و أهم للتوفيق بين هوية الشخص الحقيقة و بِنيته التشريحية مثل:

· مثبطات مرحلة البلوغ "Puberty Blockers" : يتم وصفها للأطفال و صغار السن قبل مرحلة البلوغ أو المراهقة الذين يعانون من حالة عدم الارتياح النوعي "Gender Dysphoria" لإيقاف التغيرات الفزيائية التي تحدث في هذه السن أو تعطيلها، يتم اتخاذ هذا القرار بعد استشارة الطبيب النفسي المعالج و طبيب أطفال متخصص.

· الهرمونات المصنعة: يعمد المراهقون أو البالغون لاستخدام مثل هذه الأدوية، للحصول على الصفات الجنسية الثانوية الخاصة بالنوع المغاير، يقوم الذكر -تشريحيا- بأخذ الEstrogen للحصول على صوت ناعم و بشرة ناعمة و ثديين مما يجعله أقرب في المظهر إلى هويته الأنثوية الحقيقية، و تقوم الفتاة بأخذ الTestosteroneللحصول على عضلات أكبر و شعر جسدي كثيف و صوت أجش، و ذلك بعد استشارة الطبيب.

· العملية الجراحية للتصحيح الجنسي: يلجأ البالغين لهذا الحل، للتحول بهيئتهم الفيزيائية إلى ما يعبر عن هويتهم الحقيقية، بالطبع لا يلجأ جميع المصابين بهذه الحالة إلى ذاك الحل، لأنه حل جرئ للغاية و عادة ما يُلاقى بالاعتراض المجتمعي أو العائلي، و يواجه متخذ القرار العديد من التحديات لاحقًا خاصة إذا كان متزوج.

برغم ذلك فإن حوالي أكثر من 98% من الذين يخضعون لهذا الحل يتعافون تماما من جميع الأعراض النفسية و العصبية المزعجة، و يتمكنون أخيرا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، و قد أصبحت العملية في السنوات الأخيرة أقل خطورة و ذات نسب نجاح أعلى من ذي قبل، بينما على الطرف الآخر تزداد حالات الاكتئاب و الانتحار بين مضطربي الهوية الجنسية غير الخاضعين للعلاج.


البحث عن الحقيقة: ما زالت الأديان جمعاء لا تعترف بصحة تلك العلاجات، كالعملية الجراحية أو تعاطي الأدوية الهرمونية و غيرها، في حالات اضطراب الهوية أو حتى في الحالات الخنثى.

فعلى الشخص اتخاذ القرار، و اتباع ما يرضيه هل يتبع تعاليم دينه ، أم يلجا للعلاج الذي يصفه الاطباء للتخلص من الاعراض المذكورة آنفا.

أخيرا يقول محمود درويش فيما قاله"لا أخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد التأليف"

 
 
 

Comments


©2018 by psychotopia. Proudly created with Wix.com

bottom of page