اضطراب الأعراض الجسدية

بقلم : منال عيسى

تحرير : غيداء الصاوي

هناك ذلك الطفل الذي يستيقظ كل صباح باكيًا من آلام بالبطن حتى لا يذهب إلى المدرسة، وهناك تلك الفتاة التي تفقد حاسة الكلام بعد مرورها بعلاقة حب فاشلة، وأيضًا ذلك الرجل الذي يفقد القدرة على المشي بعد تعرضه لفاجعةٍ ما، وبالرغم من أن جميع فحوصاتهم الطبية تؤكد سلامتهم، وأنهم أصحاء كغيرهم، إلا أنهم مازالوا يتألمون، هؤلاء الأشخاص لا يدَّعون المرض ولا يكذبون، إنهم مصابون بما يعرف بـ"اضطراب الأعراض الجسدية" أو "مرض التشخيص".

سوزان الطفلة ذات الخمسة عشر عامًا :-

سوزان هي طفلة تشكو من آلام حادة وتعب وإرهاق دائم، وأيضًا إسهال وصداع لمدة عامين كاملين، ذهبت إلى الكثير من الأطباء ولكن بلا فائدة، فجميعهم يقولون أنها سليمة ، وأنه لا يوجد سبب لهذه المعاناة، تم عرض سوزان على طبيب أمراض المخ والأعصاب، وهناك أصبحت سوزان لا تتكلم، بعد أن فقدت حاسة النطق تمامًا، ولذلك تم حجزها بمستشفى الأمراض النفسية لمتابعة حالتها، هناك بدأت سوزان بالتكلم، وصرحت بأنها تعرضت للاغتصاب من قِبل زوج أمها وابنه لعدة أعوام، بالإضافة إلى العنف المنزلي، فقام عقلها اللاوعي لديها باختلاق كل هذه الأعراض لحمايتها من هذا العنف.

ماذا إذا قلنا أن هناك ما يقارب من 50% من المرضى الذين يذهبون للطبيب لأنهم مصابون بمِثل هذا النوع من الاضطراب، لذلك فمن حقهم علينا أن نُعرِّف أكثر عن هذا المرض، وكيفية التعامل معه.

اضطراب الأعراض الجسدية مصطلح واسع يشمل عدة أنواع، منها:

· اضطراب الجسدنة.

· اضطراب التحويل.

· التوهم.

· الألم.

· اضطراب تشوه الجسم.

· الاضطراب المصطنع.

*في البداية .. يجب التنويه أن كل هذه الاضطرابات تحدث بدون ادعاء من المريض لإصابته بالمرض، فهي تحدث كخدعة من المخ لحماية صاحبه من الضغط النفسي الذي يتعرض له*

اضطراب الجسدنة

هو اضطراب عقلي يعاني فيه المريض من عدة أعراض ومشاكل جسدية في نفس الوقت، وتستمر لمدة لا تقل عن 6:9 أشهر، مثل:-

1. الألم: كآلام البطن والظهر والصداع وآلام المفاصل.

2. مشاكل بالجهاز الهضمي: كالغثيان والإسهال.

3. مشاكل جنسية: كانقطاع الدورة الشهرية عند النساء، و ضعف القدرة الجنسية عند الرجال.

4. مشاكل أخرى متنوعة: كصعوبة في البلع والتشنجات وفقدان التوازن.

· جميع هذه الأعراض تكون غير مرتبطة بمرض واضح، وجميع الفحوصات تثبت سلامة المريض.

· يكثر هذا الاضطراب عند النساء قبل عمر الثلاثين.

· يؤثر هذا الاضطراب على حياة الإنسان الاجتماعية، ويتسبب في انقطاعه عن العمل وعن أصدقائه خوفًا من ظهور هذه الأعراض، وأيضًا تزيد معدلات الإصابة باضطراب القلق والاكتئاب عند هؤلاء الأشخاص.

اضطراب التحويل

في هذا الاضطراب يعاني المريض من أعراض نتيجة خلل بالجهاز العصبي، مثل:-

1. أعراض مرتبطة بالجهاز الحركي: كالشلل وفقدان الحركة وفقدان القدرة على الكلام.

2. فقدان الوعي.

3. التشنجات.

4. فقدان إحدى الحواس، مثل: فقدان حاسة البصر، أو حاسة السمع، وأيضًا يمكن للمريض أن يعاني من فقدان الإحساس باليدين والرجلين.

· وما يميز هذا الاضطراب هو صفات المريض وتصرفاته، فبالبرغم من معاناته إلا أنك تجده يصف شكواه بابتسامة، لا يوجد على ملامحه مظاهر الحزن أو الضيق.

· هذا المريض يبحث عن اهتمام الآخرين ويحب أن يشعر بتعاطفهم معه، ولكن هو لا يختلق الأكاذيب، أو يسعى للأوسكار في التمثيل، بل هو مريض بالفعل.

· يكثر هذا الاضطراب في الفتيات ذوات الشخصية الطفولية الرقيقة (خاصة في سن المراهقة).

· يحدث هذا الاضطراب نتيجة تعرض المريض لضغوط عائلية، أو نتيجة الحزن الشديد كما يحدث في حالات طلاق الأبوين.

·

اضطراب الألم

الألم! الألم فقط هو مايعاني منه المريض، ويعكر صفو حياته.

· آلام البطن المتكررة هي من أكثر الشكاوى التي يعاني منها المرضى، وخصوصًا في الأطفال من سن 9:12 سنة، وهي تكون عادةً مصحوبة باضطرابات القلق.

· أما في البالغين يكون للألم صفات مميزة له مثل:

1. التعددية: فالمريض يشكو من الألم بمناطق عديدة من الجسم.

2. الإنكار: فهو دائمًا يبالغ في وصف حياته العائلية والاجتماعية بالممتازة، وينكر تمامًا وجود مشاكل قد تكون سببًا لهذا الألم.

3. التفرد: فهو دائما يصف بأن لا ألم مثل ألمه، ولا أحد يعاني مثله.

4. (لا فائدة): فلا دواء يساعد في تخفيف آلامه، ولا يوجد راحة فهو دائمًا يعاني.

توهم المرض

يعاني هذا المريض من الخوف الشديد، والقلق من أن يكون مصابًا بمرض خطير، ودائمًا مايتردد على الأطباء، وبالرغم من أن جميع فحوصاته الطبية تثبت أنه سليمٌ ومعافى إلا أنه لا يصدق هذا، يعاني هذا المريض من الوسواس القهري، ويستمر هذا الوسواس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، ويكثر هذا الاضطراب في البالغين الذين على علم ودراية بالأمراض.

اضطراب تشوه الجسم

يعرف هذا الاضطراب بانشغال المريض بخلل مظهري، ولكن هذ الخلل لا يوجد له أي أساس من الصحة، وإنما هو من خيالات المريض.

· قد يكون هذا الانشغال بوجود خلل في أي جزء من الجسم، ولكن لوحظ أنه دائمًا ما تكون هذه الانشغالات بالوجه والرأس، مثل: حب الشباب، وعدم تناسق الوجه، أو شعر الوجه الزائد.

· يصاحب هذا الاضطراب الاكتئاب، والوسواس القهري، والفوبيا الاجتماعية، ويؤثر هذا على حياة الفرد الاجتماعية ، ويؤدي إلى انعزاله عن الآخرين.

· قد يؤدي هذا الاضطراب إلى عواقب وخيمة، فقد يؤدي إلى الانتحار نتيجةً للاكتئاب الشديد.

· يكثر هذه الاضطراب في مرحلة المراهقة.

ولذا نرى أنه وجب تكرار التذكير بأن هؤلاء الأشخاص جميعهم مرضى، يعانون ويحتاجون منا المساندة، وتقبل مرضهم ومساعدتهم، حتى يتمكنوا من المقاومة والتغلب عليه.