أُغلق الستار
- psychotopia
- Oct 27, 2018
- 3 min read
بقلم : إيمان عصام و سعاد عصام
نظرت الأم إلى الطبيب فى أسى والدموع بعينيها وسئلت : ألم يكن هناك أى أمل ؟
سكت هو الاَخر قليلاً وكأنه يحاول ترتيب كلماته وأجاب : لقد كان المرض بالمرحلة الأخيرة بعد أن انتشر بالدم والعظام والمخ
ضحكت هى ضحكة ساخرة وحاولت السيطرة على دموعها وهى تقول : إذن ما فعلته هى كان هو الصواب !!
توقف الطبيب لبرهة ثم أجاب : أيا كان ما حدث وما يحدث وما سيكون أن تنهي حياتك بنفسك عمداً لن يندرج أبداً تحت مسمى الصواب ، أفهم ما تمرين به ولكن.. الأمل هو الصواب الوحيد.
ثم مضى وهو يتمتم : الأمل هو الصواب الوحيد .
أُغلق الستار وصفق الجمهور وهم يمسحون دموعهم في تأثر وغادر الجميع وبقى أحدهم يفكر في الأمر بشكل من المنطقية ماذا لو لم تكن تعلم ؟ ماذا لو أخفينا عن تلك الفتاة العشرينية حقيقة أنها مريضة سرطان بالمرحلة الأخيرة ؟ لو لم تعلم لما كانت أقدمت على شئ كهذا ولكانت أنفاسها لا تزال تحيط بنا الاَن ، في النهاية هى شخص أنهى حياته وليست مريضة ماتت بالسرطان. وينقلنا هذا إلى سؤال اَخر إذا لم يكن السرطان هو القاتل إذا من يكون ؟!! ماذا حدث بداخل تلك الفتاة أدى إلى اننا نقف هنا الاَن ؟!! بماذا كانت تشعر حينها ؟!!!
الألم ...ذلك الشعور الذى ينتابنا جميعا مع كل نزلة برد وإن كانت خفيفة مع كل إصابة وإن كانت غير مقصودة، ألم الرأس ،ألم الأسنان، ألم أى عضو من أعضاء جسدك.. اجمعهم جميعاً وضاعفهم عشرات أو ربما مئات المرات وحاول أن تستوعب مقدار الألم الذى يشعر به مريض السرطان ، لكن للأسف وبنسبة كبيرة لم يكن الألم الذى شعرت به تلك الفتاه طوال رحلتها مع السرطان هو السبب الذى أدى لموتها، فالألم مهما زاد هو عضوي؛ شئ مادي استطيع التحكم به أنا أستطيع بجرعة من مسكن قوى مثل المورفين أن أنهي كل اَلامك أو على الأقل أخففها ، لكن المفاجأة أن تلك المحاليل التى كانت تأخذها الفتاة كانت تحتوي على مسكنات تقتل اَلامها العضوية .
إذا ليس الألم هو القاتل أيضاً .
ارتدِ معي بالطو الطبيب الشرعي ودعنا ننظر للأمور بشكل أكثر دقة فنحن لدينا قضية قتل لا نعرف صاحبها حتى الاَن.. دعنا نستعيد شريط الأحداث منذ البداية منذ لحظة تشخيص تلك الفتاه بالسرطان ؛ لحظة معرفتها بالخبر ثم مرحلة الأشعة والتحاليل الطبية الامتناهية ، أول جلسة علاج و رحلة العلاج الطويلة.
الضعف...الإعياء ...عدم النوم ...فقدان الاهتمام بأي شئ وكل شئ.. فقدان الأهتمام بالحياة عموماً...فقدان التركيز والدافع في الحياة فأنت عندما ترى النهاية تقترب تزهد في كل ما هو حولك و تفقد تركيزك ، بشئ من المصطلحات الأدبية المبالغة أنت تفقد روحك .
إذا نزعنا عنصر وجود السرطان من كل هذا وركزنا بباقي الأعراض فنحن نشخص حالة اكتئاب يا صديقي وهنا يظهر مشتبه به جديد بالقضية مرض اَخر ربما لا يقل أهمية عن السرطان بعصرنا هذا .
الاكتئاب ...ماذا لو أخبرتك أن حوالي ثلث مرضى السرطان مصابين بأمراض نفسية وأن الاكتئاب يحتل المركز الثانى بتلك الأمراض وهو المسئول عن معظم الأعراض التى تحدثنا عنها من فقدان الأمل والسعادة والانتباه والتركيز والدافع وفقدان الحياة ويصل للتفكير بالانتحار.
ويظل السؤال الوجودى هنا أليس هذا طبيعياً ؟ أليس من البديهي عندما أخبر أحد أنه مصاب بالسرطان أن يكتئب ؟؟ في الواقع ..لا ..هذا ليس طبيعيا، من الطبيعي عندما تصيبك مصيبة كبيرة أن تحزن وتبكي وتبتعد عن الحياة لفترة وليس أن تفقد الأمل فيها تماما ، فمن الطبيعي طبعاً أن يحزن مريض السرطان عندما أخبره وليس أن يكتئب ويصل به الأمر إلى قتل نفسه .
لهذا تشخيص الاكتئاب فى حالات مصاحبة للسرطان صعب جداً لأنك غالباً كشخص غير متخصص لن تستطيع أن تفرق بين الطبيعى ومرض الاكتئاب.
لكن دعنى أخبرك أن المرضان يتناسبان معاً تناسب طردى فكلما زاد مرضه وزاد عجزه وبعده عن حياته الطبيعية سيزداد اكتائبه لذا نجد أخطر مراحل الاكتئاب بهؤلاء الذين تم حجزهم بالمستشفيات لفترات طويلة معزولين عن الحياة اليومية العادية.
لكن دعنا نتفائل قليلا فهناك ما يمكن أن يخفف عن اؤلئك الأبطال المحاربين..
يمكننا أن نخفف نحن عنهم تلك المعاناة فيخوضوا معركة واحدة بدلاً من اثنين سواء بأدوية لعلاج الاكتئاب أو بالجلسات النفسية مع أطباء أو مع أشخاص استطاعوا أن يهزموا السرطان من قبل .. صدقنى سيخفف هذا من وطأة كل شيء .
دعمك أنت ووقوفك بجانبهم و محاولتك أن تجعلهم يعيشوا بشكل طبيعي ،
فإذا أجبرهم المرض أن يبتعدوا عن الحياة خذ أنت الحياة واذهب لزيارتهم بها فهم حقاً يفتقدونها كثيراً
وبالعودة لسؤالنا الوجودي هل كان يجب أن تعلم تلك الفتاة بمرضها أم لا ؟!!
فمن وجهة نظري التي تحتمل الخطأ أن السرطان معركة أكثر من أن يكون مرض ومن الظلم أن أخوض معركة لا أعرف بها حتى من هوعدوي.
و لكن... وجود أناس يحملون الأمل بقلوبهم ويجلبون لى الحياة على كف أيديهم سيكون هو الفارق بين قصة تنتهى ب (لقد هزمنا السرطان معاً) وقصة تنتهى ب (ثم فاز السرطان مرة أخرى )
コメント